إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
108869 مشاهدة
ذكر بعض الحكم من تشريع بعض المناسك

لما بات بذي الْحُلَيْفَةِ وأصبح وقد لبس إحرامه، وكان قد تَطَيَّبَ قبل أن يُحْرِم. طَيَّبَ شعره، وطَيَّبَ لحيته، وطَيَّبَ يديه، ولم يُطَيِّبْ لباسه؛ لم يُطَيِّبْ ثيابه، فلما صلى الصبح أَهَلَّ وهو في مكانه، بقوله: لبيك حَجًّا. أو لبيك عمرة وحَجًّا، وقال: لبيك اللهم لبيك.
سمعه بعض الصحابة، فقالوا: إنه أحرم وهو في مُصَلَّاه، ثم جاء إلى ناقته التي حج عليها، وتسمى القصواء، فلما استوى على راحلته لَبَّى مرة ثانية، فسمعه آخرون فقالوا: إنه لَبَّى وهو على راحلته، وظنوا أنه لم يلبِّ قبل ذلك، ثم إنه سار قليلا إلى أن استوت به ناقته على البيداء ذلك المكان الواسع- وإذا الناس كلهم قد ركبوا رواحلهم، وإذا هم عن يمينه مَدَّ البصر، وعن يساره كذلك، وأمامه وخلفه، وكلهم جاءوا ليقتدوا به.
فلما استوت به على البيداء لَبَّى، ولما لَبَّى سمعه الذين حوله، فَلَبَّوْا، وسمعهم الذين وراءهم فلبوا، وسمعه الآخرون إلى أن ضَجَّ الحجاج كلهم بهذه التلبية، وسمعت أصواتهم من بعيد، وكان قد أخبر بأن رَبَّهُ أمره برفع الصوت، وقال: إن جبريل أتاني وقال: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال يعني بالتلبية.
واستمروا على هذه التلبية التي كان يُكَرِّرُهَا، وكان يلازم تلبيته، فيقول: لبيك اللهم لبيك! لبيك لا شريك لك لبيك! إن الحمد والنعمة لك والملك لك! لا شريك لك! هذه كانت تلبيته -صلى الله عليه وسلم- ولكن يسمع أصحابه أيضا يُلَبُّون، ويُقِرُّهُمْ على تلبيتهم، فمنهم مَنْ يقول: لبيك حقا حَقًّا.. تَعَبُّدًا ورِقًّا.. ومنهم مَنْ يقول: لبيك لا شريك لك.. لبيك اللهم لبيك.. لبيك وسعديك.. والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، نحن عبادك الوافدون إليك، الراغبون فيما لديك. يلبون بهذه التلبية، فكان ذلك مما يدل على جوازها، وبعضهم يقول: لبيك والرغباء إليك والعمل، أو يقول: نحن عبادك الوافدون إليك، الراغبون فيما لديك، أو يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة ونحو ذلك، ولا يُنْكِرُ ذلك عليهم.
فنقول: عليك ما دمت مُحْرِمًا أن تُكَرِّرَ التلبية، فَتُلَبِّي إذا سمعت أحدا يُلَبِّي، وتُلَبِّي في الطريق إذا ارتفعت على مكان رفيع، وتُلَبِّي إذا انْخَفَضَتْ بك راحلتك، أو هبطت في وادي، وكذلك التلبية إذا ركب، أو إذا نزل، أو إذا أقبل الليل، أو أقبل النهار، أو صلى مكتوبة، أو سمع مُلَبِّيًا، أو تلاقت الرفاق، أو فعل محظورا. أي كلما تَجَدَّدَت به حالة فإنه يُلَبِّي أَيَّةَ تلبية يحفظها، أو تتيسر له. ثم نعرف أن هذه التلبية من الأذكار المهمة حتى أن بعض العلماء ذهب إلى...